صناعة السيارات في المغرب .. رقم معاملات قياسي يرافق الالتزامات الإيكولوجية
طموح مغربي نحو تحقيق مزيد من ربط الاستثمار بثماره من حيث خلق الثروة وفرص العمل، يتجسد في صناعة السيارات بالمغرب؛ هذا الفرع الصناعي الذي ارتقى بالمملكة بعد سنوات من العمل والتطوير إلى مرتبة صنع أوّل سيارة كهربائية “مغربية مائة في المائة”، جرى تقديمها رسميا بحر الأسبوع الجاري.
رياض مزور، وزير التجارة والصناعة، كان قد أكد، الأربعاء الماضي خلال جلسة مناقشة الميزانية الفرعية للوزارة بمجلس النواب، أن السيارة، التي يبلغ سعرها عشرة ملايين سنتيم وتبلغ سرعتها القصوى 75 كيلومترا في الساعة، تم تصميمها وصُنعها بشكل كامل في المغرب، وبالضبط في مصنع القنيطرة، التابع للمجموعة العالمية “ستيلانتيس”.
رقم معاملات قياسي
من المرتقب أن يحقق قطاع صناعة السيارات في المغرب الذي يشغّل نحو 230 ألف شخص، رقم معاملات قياسيا لأول مرة في تاريخ المملكة؛ بتجاوزه حاجز 100 مليار درهم، وفق إفادات الوزير ذاته.
وبخصوص توجه المملكة نحو الاعتماد على السيارات الكهربائية، قال مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، الخميس، إن “الاجتماع مع مسؤولين في مجموعة دولية لصناعة السيارات خلُص إلى الاتفاق، مع مسؤوليها، على مضاعفة الإنتاج بمصنع القنيطرة، على أساس أن تكون نسبة الثُلث منه موجَّهة نحو السيارات الكهربائية التي تشهد إقبالا متزايدا في السوق المغربية”.
في السياق ذاته، أعلنت مجموعة “Stellantis” ، التي تشكلت نتيجة اندماج شركات عديدة متخصصة في فروع صناعة السيارات، في بلاغ على موقعها الإلكتروني، فإن موقع القنيطرة، الذي كان قد دشنه الملك محمد السادس عام 2019، يدخل “مرحلة جديدة في مساره قصد دعم خطط النمو في منطقة إفريقيا والشرق الأوسط”.
وأكد المصدر ذاته أنه “سيجري استثمار أكثر من 300 مليون أورو في موقع إنتاج السيارات بالقنيطرة في المغرب، قصد بلوغ مضاعفة المصنع لطاقته الإنتاجية المحلية والبدء في العمل بمنصة “السيارات الذكية” (Smart Car) مع التوجه تدريجيا نحو تعزيز إنتاج سيارة “أوبل روكس” الكهربائية بأياد مغربية.
وسيساهم مصنع القنيطرة، وفق المجموعة المالكة له، في “الطموح الوطني للوصول إلى طاقة إنتاجية تبلغ مليون سيارة سنويا بالمغرب بحلول عام 2030 مع نسبة اندماج محلية تزيد عن 70 في المائة”.
وجرى إعلان هذه الأهداف عقب لقاء جمع عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية، مع كارلوس تافاريس، الرئيس التنفيذي لمجموعة Stellantis متعددة الجنسيات المتخصصة في تصنيع السيارات، رفقة سمير شرفان، الرئيس التنفيذي للعمليات عن منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بالمجموعة ذاتها.
اللقاء الذي حضره كل من رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، ومحسن جازولي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، تمحور حول رغبة هذه المجموعة الرائدة عالميا في تعزيز استثمارها في المغرب، ومضاعفة القدرة الإنتاجية لمصنعها في القنيطرة، بغلاف استثماري إجمالي يبلغ 300 مليون أورو؛ مع مضاعفة القدرة الإنتاجية لمصنع القنيطرة إلى 450 ألف سيارة سنويا، حرارية وكهربائية”.
كما أشاد رئيس الحكومة بانخراط مجموعة “ستيلانتيس”، على الرغم من مناخ الأزمة، في تطوير استثماراتها في المغرب، موضحا أن مضاعفة هذه المجموعة لقدرة إنتاج مصنعها في القنيطرة ستساهم في خلق 2000 منصب شغل جديد (إضافة إلى ثلاثة آلاف منصب حاليا)؛ قبل أن يسجّل بفخر مساهمة الأطر المغربية في تطوير صناعة السيارات الكهربائية بمصنع القنيطرة (Citroën AMI وOpel rocks-e)، لافتا إلى إسهام مجموعة من المهندسين والتقنيين المغاربة في تصميم هذه السيارات وتصنيعها.
رفع تنافسية المنصة الصناعية المغربية
في هذا الصدد، ثمّن زكرياء كارتي، خبير اقتصادي، مضاعفة الإنتاج بمصنع القنيطرة، واصفا ذلك بـ”الخبر السار للصناعة المغربية؛ ما سيدفع المغرب قدُما إلى تجاوز حاجز المليون سيارة في السنوات القليلة المقبلة”.
وأضاف كارتي، في تصريح لهسبريس، أن “مضاعفة قدرة الإنتاج ستُدخل المملكة إلى نادي الثلاثين دولة الأكثر إنتاجا للسيارات على الصعيد العالمي”، لافتا إلى دلالات ذلك على “تقوية الموردين الحاليين للاستثمار أكثر، وكذا تحفيز موردين وفاعلين دوليين جدد على الاستقرار في المملكة وخلق استثمارات منتجة جديدة بوتيرة إنتاج وجودة عالييْن”.
وربط الاقتصادي ذاته بلوغ الأهداف المعلن عنها في صناعة السيارات بقدرة الشركات المستثمرة في المجال على “التوفر على كفاءات بشرية مؤهلة وكافية، سواء مهندسين أو تقنيين”.
وبخصوص التوجه نحو الاعتماد على إنتاج سيارات كهربائية بنسبة الثلث، علق كارتي قائلا إن “التخلي عن الطاقة الحرارية أصبح ضرورة مع ما يفرضه الاتحاد الأوروبي في أفق 2035 من منع هذا النوع من السيارات”، مجددا التذكير بـ”ضريبة الكربون عند الحدود” التي تفرض على دول منها المغرب ضبط إنتاجها والتحول نحو “تقنيات جديدة لصناعة السيارات”؛ بكل ما يعنيه ذلك من “نقل الخبرات والمعارف العالمية إلى الكفاءات المغربية، ورفع لتنافسية المنصة الصناعية المغربية”.
الوفاء بالالتزامات الإيكولوجية
على المنوال نفسه، نسَج رشيد ساري، محلل اقتصادي، قائلا: “يمكن أن نتحدث بكل فخر عن نسبة الاندماج المحلي العام التي بلغت 69 في المائة”، مشيرا إلى أن “المغرب وفيّ لما التزم به للحفاظ على البيئة في كوب الـ22 بمراكش من حيث الصناعة المعتمدة على طاقات نظيفة ومتجددة”.
وسجل ساري، في حديث مع هسبريس، بإيجابية ما وصفها بـ”جهود استثمار كبيرة في مجال تصنيع السيارات الكهربائية، من خلال كفاءات مغربية مائة في المائة، ستذهب نحو تطوير نماذج مبتكرة لها من حيث السرعة والفعالية وجودة الإنتاج”، لافتا إلى “اعتمادها في إطار خدمات توزيع البريد”.
وتابع المتحدث بالقول “إن المحيط الإقليمي للمغرب وتحول الاتحاد الأوروبي، الشريك الاقتصادي الأول للمغرب، نحو فرض ضريبة للكربون والتخلص من صناعة سيارات ذات محركات حرارية سيرفع من قيمة الاستثمارات المغربية في هذا النوع من الصناعات الصديقة للبيئة”.
وخلص ساري إلى انفتاح صناعة السيارات بالمغرب على “استقطاب مجموعة مقاولات كبرى عالمية في المجال”، معتبرا أنه “يدخل ضمن الاستثمار المنتِج ذي القيمة المضافة العالية، في ظل وجود بنية منصات صناعية مغربية بكل من طنجة والقنيطرة”، خاتما بأن التوطين الصناعي يسمح في غضون 10 سنوات مقبلة بالحديث عن علامات لسيارات مغربية مائة في المائة”.
تعليقات
إرسال تعليق