محمد شفيق.. مناضل وهب حياته للأمازيغية سلاحه الفكر واللسان
إن زمن الشجاعة الجسمانية قد ولى وجاء زمن الشجاعة الفكرية”، هي مقولة أخذها المفكر والباحث والمؤرخ المغربي محمد شفيق عن عمه مشعلا في مسيرته النضالية لخدمة القضية الأمازيغية، وإعادة الاعتبار إلى اللغة والثقافة والهوية والتاريخ والحضارة الأمازيغية، معتبرا ذلك واجب وطني مقدس وتطلع إلى مستقبل بلد لا تشوب صفاوته كدرة، جسد فكر المغربي الوطني محمد شفيق لحظة انعطاف كبرى وقوية في تاريخ الفكر المغربي المعاصرعموما، والحركة الأمازيغية خصوصا.
كرس حياته وفكره من أجل الإعتراف المؤسساتي والمجتمعي بالتنوع والتعدد اللذان تمتاز بهما الهوية المغربية، ودعا الى العودة للذات والجدور الوطنية وثراث الأجداد وإلى الحفاظ على المقومات الهوياتية والتاريخية والثقافية للمغرب بعيدا عن أي ذوبان في قيم وأفكار المشرق أو الغرب على حد سواء.
تسلح في نضاله بفكره وإيمانه القوي بالقضية ومشروعية مطالبها، واعتمد أساليب حضارية تخاطب العقل بالدرجة الأولى فيقول أن الحوار الصريح المعتمد للمنطق يغني عن كل صراع، ولعل أبرز حوارات محمد شفيق رسالته لعبد السلام ياسين زعيم جماعة العدل والإحسان والذي كان يختلف مع توجهه الفكري بعد أن أكد أن الهوية العربية الإسلامية للمغرب مرتبطة جوهريا باللغة العربية القرآنية، رسالة بعنوان “رسالة إلى أخ لي في الإسلام”.
يقول فيها:” أنا مؤمن ينتمي إلى الشعب الأمازيغي، أنا مسلم عجمي اللسان… هل يعقل أن يسمح للعربي بالإنتساب إلى العروبة وأن يمنع الأمازيغي من الإنتساب إلى الأمازيغية؟ “نعم أخي في الإسلام والمواطنة والإنسانية أنا أمازيغي لاينبغي لي أن أنتحل غير نسبي الذي حفظه لي لساني، لذا أحافظ على لساني دونما تفريط في الإشادة بمزايا اللغة العربية ولا في القيام بواجبي من أجل خدمتها، لذا كف أخي عن إتهام كل من دافع عن لسانه بالعصبية والتعصب”.
“التحمس والتعبئة المتسرعة كثيرا ماتنتفيان وإمعان النظر في الأمور…” يدعو محمد شفيق إلى تشخيص الواقع المغربي مراعاة الأبعاد الرئيسية لكياننا الوطني باعتماد العقل بعيدا عن الحسابات الضيقة، كان متخوفا جدا من أن يعاد سيناريو الإنحلال والإنحطاط الذي كان يعيشه المغرب قبل الحماية، وبالتالي أكد على وجوب التعمق في فهم الخصوصية التي تميزالبلد ونبذ الكره الذي ربته الدوائر المخزنية في أجيالها اتجاه الأمازيغ لالشيء سوى لكونهم يناهضون القهر والتعسف بفضل تمسكهم بتقاليدهم، تجنبا لأزمة هوياتية ستعود بالمغرب قرونا للوراء.
إلا أن التنكر الشبه الرسمي وغير المعلن ل “تيموزغا” كان سبب رئيسي لخروج بيان بشأن ضرورة الإعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب الى النور بداية 2000، حيث أكد أحمد عصيد في حواره مع الصحفي مهدي مالك أن هذا البيان كان ثمرة مجهود نقاشات طويلة لنخبة الحركة الوطنية وبالتالي فإنه ليس نتاج فردي لمحمد شفيق كما يروج له إلا أنه فضل تحريره بلغته الراقية سواء بالعربية أو الفرنسية.
وقد تضمن تسع مطالب للحركة الثقافية الأمازيغية :أولها جعل الأمازيغة موضوع حوار وطني، دسترة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية ، تعليم اللغة لأمازيغية، إعادة كتابة تاريخ المغرب، الإهتمام بالأمازيغ في الإعلام الرسمي، رفع الحظر عن الأسماء االأمازيغية، رد الإعتبار للفن الأمازيغي … بعد سنتين من تقديم محمد شفيق لهذا البيان، عينه الملك محمد السادس كأول عميد للمعهد المكلي للثقافة الأمازيغية،وكان هذا المعهد بمثابة أولى ثمرات الجهد والعمل الدوؤوب لمحمد شفيق لرد الإعتبار للثقافة الأمازيغية.
محمد شفيق كاشف المستور كما وصفه عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، حيث قال “أنه من الشخصيات التي تركت بصماتها في المشهد السياسي والثقافي والتربوي في المغرب منذ الاستقلال”، واصفاً إياه بـ”الرجل الشريف المقدام ذي القناعات الراسخة، المتواضع والمحتشم والرزين الذي يتهرب من تسليط الأضواء عليه في الوقت الذي يلهث فيه آخرون وراء ذلك.” وهو رجل عصامي شق مساره بين الصخور نشأ في قبيلة أيت سادن في حضن جبال الأطلس المتوسط حصل على شهادة الإجازة في التاريخ مرورا بدأ
مشواره المهني في التدريس بمنطقة دمنات بالأطلس الكبير وكان أول من أهتم بتدريس الفتاة في العالم القروي وتم تعيينه سنة1970 كاتبا للدولة مكلفا بالتعليم الثانوي والتقني وتكوين الأطر، وحظي بشرف إدارة المدرسة المولوية بعد قبول شرطه بإعفائه من الطقوس الملكية، وكانت القضية الأمازيغية حاضرة عند محمد شفيق حيث استغل وضعيته كمدير للمدرسة المولوية وأرسل طلب للحسن الثاني بإقحام اللغة الأمازيغية في مؤسسات الدولة وخاصة المحكمة والمستشفى والإدارات ومراكز الدرك والأمن لتسهيل التواصل مع المواطنين الناطقين بالأمازيغية حيث يعانون نوعا من الغربة أشد وطئا عللى نفوسهم من وطئ الغربة على نفوس المهاجرين إلى خارج البلاد
يقول محمد شفيق “…فلم أتلقى أي جواب على ذلك. بعد بضعة أسابيع قدمت إستقالي بكل شجاعة وتفرغت لتهيئ معجم أمازيغي أخد مني سنوات وسنوات ثلاث أجزاء متفرقة الجزء الأول سنة 1990 والثاني سنة 1996 والأخير صدر سنة2000 ، كما تفرغت لجمع مقالات تاريخية تخص الأمازيغ في كتاب ثلاثة وثلاثون قرن من تاريخ الأمازيغ كما تفرغت لتأليف كتاب الدارجة المغربية مجال توارد بين الأمازيغية والعربية وهذا الإصدار رفعت نسخة منه للمؤسسة الملكية”.
وأضاف “بعد نضال طويل تم تعيني رئيسا للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ولم أكن أرغب في راتب شهري للقيام بعملي بل كل ما كنت أرغب فيه هو إستغلال إمكانيات المعهد لتأطير وتهيئ اللغة الأمازيغية والدفاع عن حقوق الأمازيغ لكن بعد بضع سنوات لم أجد حريتي الكاملة لكي أشتغل بهدوء وبدون إملاءات أو مضايقات فقدمت إستقالتي ” والآن أعيش آخر أيامي بمنزلي وفقدت بصري وضعفت قواي لكنني سعيد لكوني تركت أرشيفا مهما للأمازيغ فقد أخذ مني ذلك سنوات طوال…فختمت مساري بقولتي هذه الأمازيغ رجال حرب وحرب هذا الزمان بالعلم فلابد أن نتعلم.”
وبعد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي اعتبر أولى خطوات مأسسة اللغة والثقافة الأمازيغة ، تحققت بعض المطالب التي جاءت في البيان الذي قدمه محمد شفيق للملك بداية القرن 21 أهمها دسترة اللغة الأمازيغية في دستور 2011 وكان ذلك إنجازا تاريخيا يحسب للحركة الوطنية عموما ولأستاذ محمد شفيق على وجه الخصوص فاعبتار اللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد بمثابة تتويج سنوات نضال هذا المفكر الذي وهب حياته للسان الأمازيغي ودافع عن الهوية المغربية الأمازيغية وحافظ عليها من الطمس والإندثار عن طريق اللسان بعد أن خان القلم أجددنا في تدوين إنجازاتهم البطولية التاريخية في الحروب ضد العدو بعد أن تعاملو بحسن نية وبسداجة وضحو بأنفسهم لحيا وطنهم معتبرين ذلك واجب لاينتظرون ثناءا من أحد، لكن مالم يخطر على بالهم هو أنه سيأتي يوم يضطر فيه أحفادهم إلى البحث عن براهن ودلائل تبين أحقيتهم في هذه الأرض التي راحو هم فداء لها.
يقول محمد شفيق ” إنه من العبث أن يبحث للبربر عن مواطن أصلية غير التي نشؤو فيها منذ مايقارب مائة قرن ، ومن يتكلف ذلك البحث يستوجب على نفسه أن يطبقه في إلتماس مواطن أصلية للصنيين مثلا أو الهنود أو لقدماء المصريين أو لليمنيين أنفسهم وللعرب كافة.” صرح حسن أوريد الذين كان تلميذا في المدرسة المولوية لقناة “بلانكا تيفي الإلكترونية ” ثأثره العميق بمحمد شفيق خاصة وأن هذا الأخير كان يتقن بدقة اللغة الأمازيغية، العربية والفرنسية .
وأوضح أنه كان يعتمد على مقولة الإمام علي ” كل لسان بإنسان” منتصر دائما للسان فيقول ” لايزعمن أحد أن تعدد اللغات في الوطن يكون داعيا للتشردم وإنما سبب التشردم، إنعدام النضج الحضاري” ويؤك أنه في ظل غياب توثيق الأحداث الماضية عن أذهان أجدادنا تبقى ورقة تعريف الأمازيغي في وقتنا الحاضر هي قدرته على الإفصاح بلغة “الزاي ” أو تعاطفه معها أو عدم تنكره للأجداد محلقي الرؤؤس آكلي الكسكس ولابسي البرنس.”
تعليقات
إرسال تعليق