ضاية الرومي.. منتجع سياحي وسط سهل زمور قبلة لعشاق الطبيعة
على بعد 15 كيلومترا جنوب مدينة الخميسات، توجد ضاية الرومي، البحيرة التي تقع في سهل زمور من بين أجمل الفضاءات المائية بالمملكة المغربية. هذا المنتجع الطبيعي بات في السنوات الأخيرة، وجهة مفضلة لعدد من السياح المغاربة والأجانب. المولعون بالرياضات المائية يجدون أمامهم مساحة شاسعة من المياه العذبة تمتد على 87 هكتارا. هذا الفضاء السياحي المميز يوفر الحياة لعدد كبير من الأسماك، خاصة الشبوط والنون وبومنقار.
على بعد مسافة 75 كيلومترا شمال العاصمة الرباط، في الطريق السيار المتجه إلى مدينة مكناس، توجد ضاية الرومي. البحيرة تحيط بها من كل جانب غابة من الأشجار والنباتات المتنوعة. أشجار الزيتون والكاليبتوس والدراق تغطي مئات الهكتارات، وتشكل مع أزيد من 80 نوعا من الأعشاب، غطاء يكسو الأراضي الخصبة برداء الخضرة، ومتنفسا طبيعيا للباحثين عن السكينة والهدوء.
يصل عمق البحيرة إلى ما بين خمسة وتسعة أمتار، ويقدر محيطها بحوالي خمسة كيلومترات. ويجد فيها عدد من عشاق الرياضات المائية فضاء مناسبا لممارسة هوايتهم عبر «الجيت سكي» و«الكاياك» وغيرهما. الغابات الشاسعة توفر للراغبين في التخلص من ضغط المدن والبنايات الإسمنتية في الحواضر، فضاءات للراحة والاستجمام.
بفضل البنية الطرقية الجيدة، أصبح الوصول إلى ضاية الرومي يسيرا جدا، كما يمكن للزوار اقتناء حاجياتهم بعين المكان من لدن بائعي المواد الغذائية بالدواوير القريبة، ويمكنهم أيضا الاستعانة بخدمات المطاعم الموسمية المخصصة أساسا لاستقبال الوافدين على الموقع السياحي.
الضاية والأساطير
إن وجود البحيرة في مكان قروي جعل العديد من الأساطير والحكايات تحيط بها، بحيث توارث السكان المحليون الحكاية القائلة إن أصل تكوين البحيرة يعود إلى ألف سنة تقريبا، عندما نسيت إحدى الفتيات وضع غطاء على البئر الوحيدة الموجودة آنذاك بالمنطقة، بعدما سمعت خبر عودة والدها من الحج، الشيء الذي نتج عنه تسرب المياه الغزيرة إلى سطح الأرض، مما أدى إلى النشأة الأولى للبحيرة.
أما المعطيات العلمية فترى بأن تكون البحيرة نتج عبر عدد غير معروف من السنين، لأنها عبارة عن وهدة نافذة محاطة ببعض العيون الباطنية مثل عين ضربان. وتتغذى الضاية أيضا من العديد من الوديان القريبة منها، مثل نهر اسيغاو وكذلك الأمر بالنسبة لبحيرة الضفادع المعروفة محليا بـ«ضاية الجران»، والتي تساهم في ذلك هي الأخرى، إلى جانب السيول المائية القادمة إلى البحيرة من المرتفعات المحيطة بها. وبينما يذهب البعض إلى القول إن البحيرة عرفت في عهد المولى الحسن الأول، بحيث كان هذا الأخير في رحلاته إلى مدينة مكناسة الزيتون آنذاك يطيب له المقام بخمائل البحيرة لساعات استراحة، تستفيد منها الخيول والجنود. ويعلل أصحاب هذه الرواية ذلك بكون منطقة زمور الخميسات كانت معروفة بكثرة الكلأ وأعلاف الماشية، منذ زمن بعيد.
ومن أغرب ما يقال عن البحيرة ما يتعلق بسبب التسمية، بحيث يرى السكان المحليون أن سبب التسمية يرجع إلى الأجانب، الذين استوطنوها في فترة الخمسينيات من القرن الماضي. ونسبت البحيرة إلى لفظة «أرومي» التي تعني بالأمازيغية الأجنبي، أي ليس لا أمازيغيا ولا عربيا، وبذلك سميت «ضاية أرومي» التي مع مرور الزمن أصبحت «ضاية الرومي»، وهذه التسمية لها معطيات تاريخية ووقائعية تجعلها أقرب إلى الصواب، وهي أن العديد من الأسماك الموجودة بالبحيرة أصلها من أمريكا الشمالية.
موطن للأسماك ومقصد لهواة الصيد
تعتبر ضاية الرومي موطنا وطنيا لأنواع متعددة من الأسماك، كسمك الفرخ الأسود و«الكتفاء زريقة» و«الاكتفاء الحميرية»، بالإضافة إلى صنف ثالث هو «الفرخ الزنجوري» أو «الفرخ الرمادي». ولتاريخ ظهور البحيرة لا بد من الإشارة إلى رأي أحد الباحثين الفرنسيين والمهتمين بالمجال البيئي، سيما ما يتعلق بالبحيرة وصيد الأسماك فيها، وهو روجي شبان، صاحب مؤلف «بحيرات المغرب»، بحيث يرى هذا الأخير أن تاريخ ضاية الرومي والمنطقة ككل عرف في عهد الرومان، ويرى أن البحيرة عرفت في ذلك العهد، لكنه لا يقدم دلائل ملموسة أو وثائق تاريخية تؤكد ذلك.
على الجانب المحاذي لربوة مطلة على البحيرة، ينصب ياسين وصديقه محمد، وهما شابان عشرينيان يقطنان بمدينة الخميسات، خيمتهما الصغيرة، وفي الوقت الذي ينشغل محمد بإشعال كومة حطب من العيدان الجافة التي جمعها من بين الأشجار، يراقب ياسين صنارته بانتباه شديد «ولفنا نجيو نخيمو هنا من الصغر، الضاية هي المتنفس الوحيد لغالبية سكان وشباب الخميسات»، يقول ياسين مشيرا إلى صنارته التي نصبها مستعينا بصخرتين كبيرتين، قبل أن يضيف: «امكن الحوت اللي كان شحال هادي فالضاية نقص شويا، على حساب ما عاودو لينا وليدينا».
ويواصل محدثنا كلامه على وقع حركة خفيفة لخيط الصنارة، مشيرا إلى أن ضاية الرومي التي لا تبعد سوى بكيلومترات معدودة عن مدينة الخميسات، كانت وما زالت مهوى قلوب هواة الصيد بالصنارة، والذين يستقطبهم صفاء الجو وهدوء الطبيعة لتمضية ساعات طوال، خصوصا في أيام العطل، في ممارسة هوايتهم تلك بالضاية، بل قد يختار البعض منهم كما هو حال محمد وياسين تمضية أيام من «التخييم» في حضن الطبيعة.
«دار الضاية».. قبلة العشاق
بقدر اشتهار ضاية الرومي لدى سكان الخميسات، والسياح القادمين إليها من داخل المغرب أو خارجه، يشتهر أيضا فندقها «دار الضاية»، وهو المؤسسة السياحية التي تقع وسط حدائق تمتد على مساحة 7 هكتارات، ويقع عند ضفة البحيرة ويوفر غرفا من فئة 4 نجوم ومطعما وحوض سباحة. المهدي بنشقرون، المدير العام لفندق «دار الضاية»، قال إن الفندق «يوفر مناظر مطلة على البحيرة أو الحديقة، من خلال شرفات غرفاته التي تم تجهيزها بجميع عناصر الراحة، والتي سمحت للفندق بأن يحصل على تصنيف أربع نجوم».
بنشقرون يشير أيضا إلى أن «المطعم الخاص بالفندق يقدم المأكولات التقليدية المغربية والفرنسية والإيطالية، ويمكن للنزلاء تناول الطعام في غرفة الطعام أو على «التيراس». كما يمكن للنزلاء تذوق الفاكهة من حديقة الفندق»، مبرزا أن «الكثير من الأزواج حديثي العهد يختارون الفندق من أجل تمضية أيام (شهر العسل)، نظرا للطبيعة الساحرة والخدمات المميزة التي يقدمها، حيث إن الموقع نال لدى الأزواج تقييما مرتفعا، وقد قيموه في تطبيقات ومواقع الأسفار بـ8.5 لرحلة لشخصين»، يوضح المتحدث.
ويضيف بنشقرون أن «الموقع الطبيعي للبحيرة يمنحها عددا من المؤهلات الإيكولوجية من خلال توفرها على فضاء غابوي ومناظره الطبيعية الاستثنائية، إلى جانب تنوع غطائه النباتي الذي يضم حوالي 35 صنفا نباتيا على ضفاف الجداول والبحيرة، وأيضا تعدد الأصناف الحيوانية من قبيل البط البري، ودجاجة الماء خضراء الأقدام (المورهن)، والغرة الأوراسية، واللقالق».
نحو التنمية السياحية.. عوائق في الطريق
على الرغم من المكانة المتميزة التي تحظى بها ضاية الرومي، ورغم توفر إقليم الخميسات على مؤهلات سياحية هامة، فإن مساهمة القطاع السياحي في التنمية المحلية ما زالت دون المستوى المطلوب، نتيجة لعدة عوامل من قبيل ضعف بنيات الاستقبال (قلة الوحدات الفندقية)، وعدم استغلال المواقع السياحية الموجودة بالإقليم، غياب تنظيم التظاهرات والمهرجانات واللقاءات ذات الطابع الوطني والدولي للتعريف بالمؤهلات السياحية.
وتبدو الآفاق مفتوحة للمنطقة لتعزيز الاستثمار في المجال السياحي، من خلال خلق مشاريع فندقية بالإقليم، لتشجيع السياحة الجبلية والغابوية ولممارسة القنص والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة التي تزخر بها منطقة ضاية الرومي، من خلال إعداد وتأهيل الشبكة الطرقية بمختلف المناطق والأماكن التي تزخر بمؤهلات سياحية مهمة، لتسهيل الولوج إليها من مختلف جهات المملكة.
عزيز مهدي، الفاعل الجمعوي وأحد أبناء المنطقة، أكد أن «الجهات الوصية على القطاع مطالبة بإعداد دراسات ميدانية وخرائطية سياحية مناسبة، لتحديد المناطق الجبلية والغابوية والتاريخية ومختلف بنيات الاستقبال الخاصة بها، بالإضافة إلى تنظيم حملات تحسيسية وإشهارية لتشجيع المنعشين السياحيين على إقامة مشاريع سياحية بالمنطقة، وإعادة تأهيل المجالات الطبيعية، بما فيها ضاية الرومي والمحطات الحرارية، وتجهيزها بكل الإمكانيات الضرورية».
وأضاف الفاعل الجمعوي أن «تثمين القطاع السياحي بالمنطقة لا يتم إلا عبر النهوض بعدة جوانب، منها الصناعة التقليدية والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بالجانب السياحي»، مبينا أن «السياحة الإيكولوجية من أبواب التعريف بالمنطقة، إلى جانب الرياضات الجماعية من قبيل ركوب الدراجات المائية «جيت سكي» ورياضات قوارب التجذيف «الكاياك»، مشيرا إلى أن الضاية كانت قد احتضنت عددا من التظاهرات الرياضية، آخرها البطولة العربية لقوارب التجذيف، والتي تجذب العديد من السياح الأجانب.
الطاجين سيد مطبخ الضاية
في منطقة ضاية الرومي تنتشر مجموعة من المطاعم التقليدية، التي في الغالب هي محلات لبيع المواد الغذائية، والتي تتحول إلى مطاعم لإعداد الوجبات التقليدية وكؤوس الشاي والقهوة، خلال موسم العطلة وفي نهاية الأسبوع، حيث يتم إعداد أطباق الطاجين من قبل العائلات الموجودة في المنطقة وسيدات خبرن الطبخ التقليدي، ويتم تقديمها إلى زوار الضاية رفقة خبز الفران الطيني (تفرنوت)، مع كؤوس الشاي المنعنع أو بعض المشروبات الغازية.
تعليقات
إرسال تعليق